ذكريات حالمة ما بين ( نكسة حزيران 1967) ومعركة ( سيف القدس ) البتار في أيار 2021 ( د. كمال إبراهيم علاونه )


ذكريات حالمة ما بين ( نكسة حزيران 1967) ومعركة ( سيف القدس ) البتار في أيار 2021

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
نابلس – فلسطين
إنها ذكريات سياسية وعسكرية وتاريخية وجغرافية واقتصادية واجتماعية ونفسية، صادمة ومؤلمة وحزينة في الآن الواحد ذاته معا، طيلة 54 سنة عجاف ، من التقسيم الجغرافي والتزوير التاريخي والتآمر السياسي والوهن العسكري، والتهجير البشري والتشريد والتفتيت الإجتماعي والتجويع الإقتصادي والتقزيم ومحاولات التنويم المستمرة ، صادفت اليوم السبت 5 حزيران 1967 – 2021، ذكرى الهزيمة العربية النكراء ( النكسة ) ل 3 جيوش عربية ( مصر وسوريا والأردن ) أمام جيش الإحتلال الصهيوني في حرب عدوانية معظمها معركة جوية، خاطفة غير متكافئة بين الدول الشقيقة والأعداء المتربصين بالأمة العربية المفككة لكيانات سياسية وحدود وهمية مصطنعة وضعها وصممها الإستعمار الأوروبي الخبيث . وتمخض العدوان القديم الغاشم عن الاحتلال الصهيوني لشبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية وبقية أجزاء فلسطين ( القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة ) وتعادل بمجملها 68,5 ألف كم2 بواقع أكثر من ثلاثة أضعاف مساحة فلسطين المحتلة عام 1948.

ومما بعث ويبعث الأمل والتفاؤل الكبيرين لدى الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية المتمثل بحتمية النصر كما ظهر العيان ، في معركة ( سيف القدس ) البتار ، بواقع بارقة النصر المرحلية الأولية والفتح المبين الإستراتيجي القادم ، بحالة الأسطورة العسكرية الفلسطينية الجديدة المعاصرة، في التصدي والتحدي الدفاعي الفلسطيني عن النفس وقلب المعادلة رأسا على عقب، وخلط الأوراق الإقليمية والعالمية، بالقصف الصاروخي المركز على تل أبيب، المستوطنة اليهودية الأم وغيرها من المستعمرات البشرية إليهودية – الصهيونية في فلسطين الكبرى خلال فترة الحرب الأخيرة ما بين 13 – 21 أيار 2021، حيث إنطلقت الصواريخ الفلسطينية من الجناح الجنوبي من فلسطين ( المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة المحاصر) بإرادة فولاذية فلسطينية صاعدة نحو العلى والأعالي فدقت صفارات الإنذار الإلكترونية الضخمة لتجبر 5 ملايين يهودي من المبيت في الملاجئ وشبكات الصرف الصحي ليلا ونهارا، خوفا وهربا وقلقا من الصواريخ الفلسطينية وكأنها صواريخ السجيل المنضود على النفسيات اليهودية الماكرة وتعلن بداية مرحلة تحرر وطني جديدة في تاريخ الثورة الفلسطينية .

لقد فشل المشروعين القومي والوطني ، الواحد تلو الآخر وبدأ عصر المشروع الإسلامي العظيم المتصاعد على أيدي المقاومة الفلسطينية عامة وحركتي حماس والجهاد الإسلامي خاصة.

إنها مرحلة تاريخية جديدة تسجل بأحرف من نور ونار، لتقض مضاجع الإحتلال الصهيوني والوجود اليهودي في فلسطين الكبرى.

لقد بزغ فجر المشروع الإسلامي بالظهور المتنامي في الأرض المقدسة، بقيادة السواعد الرامية بالحاضنة الشعبية الفلسطينية الداخلية ( في الوطن الفلسطيني) والخارجية في المخيمات الفلسطينية ، ومؤازرة ومساعدة الجماهير الفلسطينية التي حشرت في الزاوية فقررت المواجهة المباشرة، الحتمية العاجلة غير الآجلة مهما كلفت من تضحيات جسيمة متعددة.

فها هي المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة تمزق الخريطة الكيانية الصهيونية الجغرافية وتبدأ بوضع المدن والقرى الفلسطينية كافة على الجغرافيا السياسية العالمية، من جديد ببسالة وإقتدار لتبشر بقرب زوال وإنحلال الكيان الإستعماري الصهيوني ليس في الوسط الشرقي (القدس والضفة الغربية) بل في فلسطين برمتها، كما إندحر مذموما مدحورا من قطاع غزة في إنتفاضة الأقصى ( الإنتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية)، في أواسط أيلول 2005 .

لقد برزت المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة كجيش الدفاع الفلسطيني الذي يدافع عن الأرض والشعب الفلسطيني والأمة العربية بما إستطاعت إلى ذلك سبيلا. فأطلقت زخات عديدة من الصواريخ الفلسطينية من التصنيع الذاتي المتطور بإتجاه المستوطنات اليهودية في النقب والمثلث والساحل الفلسطيني فكسرت هيبة جيش الإحتلال الصهيوني ومرغت أنوف القيادتين العسكرية والسياسية في التراب فاهتزت صورة حكومة تل أبيب المتعجرفة، داخليا وعربيا وإقليميا وقاريا وعالميا بشكل غير مسبوق لأول مرة في التاريخ منذ قيام الكيان السياسي والعسكري والإقتصادي الصهيوني عام 1948، أي قبل 73 عاما .

على أي حال، لقد نهضت الأجيال الفلسطينية الفتية، من تحت الدمار والركام لما بعد نكبة فلسطين 1948 ونكسة فلسطين 1967 وصنعت النصر الجديد في الملحمة الإسلامية الجديدة في ربوع الوطن المنكوب المكلوم وتراجع الأعداء الغرباء الطارئين القهقرى إلى الخلف مع ما يصاحب ذلك من تبعات وأضرار مؤثرة في مجالات أساسية عدة : نفسية وسياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية وخلافها على جمهور الجاليات اليهودية في فلسطين المحتلة فتصاعدت حدة الهجرة اليهودية المعاكسة إلى خارج فلسطين بعد التحطيم المعنوي للجيش الصهيوني والخسائر البشرية الكثيرة غير المعلنة رسميا ( بقرار أمني ) وتضعضع الجبهة الداخلية وتفكك الحكومة الصهيونية ورحيل بنيامين نتنياهو زعيم أكبر حزب يميني صهيوني، عن رئاسة حكومة تل أبيب، والتدهور الإقتصادي بخسارة نحو 3,5 مليار دولار جراء إطلاق أكثر من 3,500 صاروخ فلسطيني قصير المدى (40 كم و80 كم) ومتوسط المدى (250 كم) بإتجاه عشرات المستوطنات اليهودية على مدار 12 يوما بواقع ( 272 ساعة ) متواصلة دون هدنة أو إستراحة حربية بينها لإلتقاط الأنفاس .

ويبقى القول، إن المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة قادت الشعب الفلسطيني العظيم ، في معركة سيف القدس البتار المسلول، وأبلت بلاء حسنا، مزقت فيها العربدة والوحشية والعنجهية اللئيمة الصهيونية وفرضت حظر التجوال على نحو خمسة ملايين يهودي ( 80 %) من المستوطنين اليهود في فلسطين المحتلة وهو الأمر الذي لم تستطع القيام به جيوش دول الطوق العربية الأربعة مجتمعة أو منفردة (مصر والأردن وسوريا ولبنان) التي هزمت مرتين عام 1948 وعام 1967 وذلك بإعتراف قادة الكيان الصهيوني ذاته .

المجد كل المجد للشعب الفلسطيني العالمي العظيم بأكمله في الوطن وجميع أماكن تواجده في المهاجر والشتات.

فنصر من الله وفتح قريب، وهذه بشرى إسلامية، حتمية آتية لا ريب فيها : بشرى ربانية أكيدة، تتبعها بشرى نبوية لاحقة للمؤمنين في الأرض المقدسة المحتلة، في الذكرى الأليمة الأولية في 15 أيار 1948، والذكرى المحزنة الثانية في 5 حزيران 1967.

والله ولي التوفيق والنصر والتمكين والفتح القريب إن شاء الله تبارك وتعالى.

تحريرا في يوم السبت 24 شوال 1442 هجرية / 5 حزيران 2021 م.

أضف تعليق