الذكرى أل 73 – فلسطين الكبرى .. بين الإقتلاع والهزيمة 1948 وبشائر النصر 2021 ( د. كمال إبراهيم علاونه )


الذكرى أل 73 – فلسطين الكبرى .. بين الإقتلاع والهزيمة 1948 وبشائر النصر 2021

==========

د. كمال إبراهيم علاونه

أستاذ العلوم السياسية والإعلام

نابلس – فلسطين

==========

تمر وتصادف الذكرى ال 73 لنكبة فلسطين الكبرى الأليمة ، اليوم السبت 15 أيار 1948 – 2021، إنها ذكرى جلاء الإحتلال البريطاني عن فلسطين بعد تمكين الجاليات اليهودية في البلاد، وتسليم المنظمات العسكرية الصهيونية ( الهاغاناة ) ترسانة أسلحة الجيش البريطاني الخفيفة والثقيلة، البرية والبحرية والجوية، بعد تدريبهم عليها، وتسليطهم على السكان الأصليين وقتلهم وإرهابهم وتشريدهم وطردهم من وطنهم، وتخاذل 7 جيوش من الدول العربية في نصرة فلسطين المظلومة بمشاركة 20 ألف جندي عربي فقط بلا سلاح حقيقي فعال مقابل 70 الف جندي يهودي مدربين جيدا يمتلكون أسلحة حديثة وترسانة الأسلحة البريطانية الثقيلة المهداة لهم من إمبراطورية الشر العالمية ( المملكة المتحدة ) .

 

وفي 14 أيار 1948، تم على أشلاء فلسطين إنشاء الكيان الصهيوني العنصري الظالم بفلسطين المحتلة ما يسمى ب ( إسرائيل ) باعتراف الدول الكبرى على مساحة 20,770 كم2، بما يعادل 77,4%، من مساحة فلسطين الكلية ، رغم أن قرار تقسيم فلسطين رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947، بضغوط وإملاءات وإبتزازات أمريكية : سياسية وعسكرية واقتصادية وغيرها للدول الأعضاء . وقد تم قتل آلاف المواطنين الفلسطينيين في المجازر الصهيونية الكثيرة (35 مجزرة) أثناء الوجود الإستعماري البريطاني وما بعده، وتهجير نحو مليون فلسطيني، على شكل نازحين داخل الوطن إلى : نابلس والخليل وغزة وخانيونس ورفح وجنين وأريحا وطولكرم ورام الله وبيت لحم وغيرها من المدن الفلسطينية، أو لاجئين إلى الدول العربية المجاورة كالأردن وسوريا ولبنان ومصر وإلى بقية دول العالم ، وإلحاق الوسط الشرقي من فلسطين ( الضفة الغربية – مساحتها 5878 كم2 ) إلى الأردن، والجنوب الغربي من فلسطين ( قطاع غزة – مساحته 263 كم2 ) إلى مصر، إلى أن تم احتلال قوات الجيش الصهيوني لبقية أجزاء فلسطين في عدوان حزيران 1967، وغياب الهوية الوطنية الفلسطينية والكيانية الفلسطينية .

وتأسست منظمة التحرير الفلسطينية في القدس برئاسة أحمد الشقيري في 28 أيار 1964، وتلاها إنشاء الحركات والفصائل والجبهات الفلسطينية، إبتداء من إنطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) بقيادة ياسر عرفات وزملائه : خليل الوزير وصلاح خلف وفاروق القدومي ومحمود عباس وآخرين ( ويتزعمها الآن محمود عباس ). ثم الجبهات الوطنية واليسارية : الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة جورج حبش، في 11 كانون الأول 1967، والجبهة الديموقراطية في 22 شباط 1968 ، بزعامة نايف حواتمة، ثم الفصائل الموالية لحزب البعث العربي الإشتراكي ( لمؤسسه ميشيل عفلق ) بجناحية : اليميني في العراق (جبهة التحرير العربية)، واليساري في سوريا ( الصاعقة والجبهة الشعبية القيادة العامة) وفصائل أخرى دارت وتدور في فلك النظام السوري والأنظمة العربية الأخرى كمصر وليبيا وغيرها .

ونهضت وصعدت شعبية الثورة الفلسطينية المسلحة كثيرا في الأردن بعد معركة الكرامة في 21 آذار 1968 ضد الهجوم العسكري الصهيوني البري والجَوي في الأغوار الأردنية، ثم إنتقلت إلى الثورة الفلسطينية إلى سوريا ثم لبنان، وخرجت قوات الثورة الفلسطينية من لبنان وخاصة بعد معركة بيروت بمواجهة جيش الإحتلال الصهيوني، في صيف 1982، وتوزعت على الكثير من الدول العربية وخاصة تونس والجزائر وسوريا واليمن والسودان ومصر وغيرها.

وفي 8 كانون الأول 1987، إندلعت شرارة إنتفاضة فلسطين الكبرى الأولى، بصورة عفوية. وأعلن عن نشأة حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) في 14 كانون الأول 1987، منبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الشيخ أحمد ياسين وإخوانه محمود الزهار وعبد العزيز الرنتيسي وأحمد الحاج علي وحامد البيتاوي وآخرين ( ويتزعمها الآن الشيخ إسماعيل هنية) ، لتساهم في فعاليات هذه الإنتفاضة الفلسطينية ( إنتفاضة الحجارة ). وسبق ذلك بعدة أسابيع تأسيس حركة الجهاد الإسلامي بفلسطين بقيادة د. فتحي الشقاقي ( ويتزعمها الآن الشيخ زياد النخالة) .

وفي 1993 بعد مؤثمر مدريد الإسباني بعامين، وقعت إتفاقية أوسلو في العاصمة الأمريكية واشنطن في 13 أيلول 1993، ووفق إتفاقية القاهرة في 4 أيار 1994، عادت بعض قوات الثورة الفلسطينية إلى غزة وأريحا أولا في 1 تموز 1994 لتقيم سلطة الحكم الذاتي ( برئاسة ياسر عرفات ) على مساحة 1 % من مساحة فلسطين الطبيعية التاريخية الكبرى البالغة 27,027 كم2.

وتم الإعتراف الفلسطيني بما يسمى (دولة إسرائيل) على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، مقابل الإعتراف الصهيوني بمنظمة التحرير الفلسطينية بأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. ويتمثل هنا الإنتقاص والغبن والتنكر والظلم الفاقع للحقوق الوطنية الفلسطينية كحق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطين والقدس واللاجئين ( عودة النازحين واللاجئين الفلسطينيين لمواطنهم الأصلية في الجليل والمثلث والنقب والساحل الفلسطيني) وإزالة المستوطنات اليهودية من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ( القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة) وتحرير جميع الأسرى الفلسطينيين من السجون الصهيونية .

وفي 29 نيسان 1994وقعت إتفاقية باريس الإقتصادية بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني لتنظيم العلاقات الإقتصادية بين الجانبين مقابل تقاضي وزارة المالية الصهيونية نسبة 3 % من قيمة أموال الضرائب الفلسطينية ك\اجرة مالية على جميع الأموال الفلسطينية الناتجة عن الاستيراد والتصدير ، ولكن الحكومة الصهيونية أصبحت تتدخل في عملية صرف هذه الأموال الفلسطينية الخالصة فيما يتعلق برواتب ومخصصات الأسرى والجرحى وعائلات الشهداء ، بدعاوى ومبررات واهية تتمثل بما يسمى وقف دعم مقاتلي الحرية التي يطلق عليه صهيونيا زورا وبهتانا ( الإرهاب الفلسطيني ).

وعلى العكس من ذلك، تم تأجيل البت في 5 مسائل جوهرية ، لما يسمى بمفاوضات الحل النهائي بعد 5 سنوات من الحكم الذاتي الفلسطيني ( السلطة الفلسطينية ) كحد زمني أقصى ، ولم يلتزم الإحتلال الصهيوني بالاتفاقيات : السياسية والأمنية والإقتصادية حتى الصول لمفاوضات كامب ديفيد في واشنطن في تموز 2000.

وفي 28 أيلول 2000 إندلعت الإنتفاضة الفلسطينية المجيدة ( إنتفاضة الأقصى ) الشاملة والمتكاملة : رسميا وفصائليا وشعبيا، منطلقة من المسجد الأقصى المبارك بعد تدنيسه من أرئيل شارون زعيم حزب الليكود المعارض آنذاك. فعمت هذه الإنتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية جميع أرجاء فلسطين، بمشاركة جميع الفصائل والحركات الفلسطينية وأيضا بمشاركة الكثير من قيادات وكوادر ومنتسبي الأجهزة الأمنية الفلسطينية بقرار صريح من الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات ( أبو عمار ) للدفاع عن أبناء الشعب الفلسطيني من تغول ووحشية وهمجية جيش الإحتلال الصهيوني وقطعان المستوطنين اليهود . واستمرت هذه الإنتفاضة ست سنوات ( 2000 – 2006 ) . وطرحت أثناءها خطة خريطة الطريق الأمريكية رسميا في نهاية نيسان 2003، ومواصلة المفاوضات الفلسطينية – الصهيونية الثنائية من اللجنة الرباعية : الولايات المتحدة والأمم المتحدة والإتحاد الروسي والاتحاد الأوروبي ولكنها كانت لجنة شكلية لتتولى الولايات المتحدة رعاية المفاوضات مما أدى إلى فشلها وإنسداد الأفق السياسي. وفي أواسط أيلول عام 2005 تحت وقع الإنتفاضة الفلسطينية الحامية إضطر الإحتلال الصهيوني مرغما لترحيل جميع المستوطنين اليهود من 19 مستوطنة سكنها 7 آلاف مستوطن يهودي وبذلك خلا قطاع غزة من المستوطنين اليهود .

وقد تعرض الشعب الفلسطيني لعدة حروب عدوانية صهيونية ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة منها : عدوان 2008 / 2009 لمدة ( 21 يوما)، وعدوان 2012 ( لمدة إسبوع)، وعدوان 2014 ( لمدة 51 يوما ). وحروب ومواجهات طارئة متعددة ومتكررة. وقد إستطاعت المقاومة الفلسطينية الباسلة من الصمود والمرابطة وصد وإمتصاص هذه الحروب والصدمات العسكرية الصهيونية البرية والجوية والبحرية بسبب الحاضنة الشعبية للمقاومة الباسلة ، التي تدافع عن نفسها وعن وطنها وشعبها ، ولم يستطع الجيش الصهيوني إجتياح قطاع غزة بريا بتاتا، كما حاول في صيف 2014 ، رغم تفوق الترسانة العسكرية الصهيونية.

وفي 15 كانون الثاني 2021, تم التوافق الوطني العام على إجراء الإنتخابات البرلمانية الفلسطينية الثالثة ( المجلس التشريعي الفلسطيني ) وأصدر المرسوم الإنتخابي الرئيس الفلسطيني محمود عباس ولكن تم تأجيل الإنتخابات التشريعية، وذلك بعد تشكيل 36 قائمة إنتخابية منها : 7 قوائم حركية وحزبية،. و29 قائمة مستقلة وعشائرية ومهنية، لأن الإحتلال الصهيوني رفض السماح لمواطني مدينة القدس المشاركة في الإنتخابات : ترشيحا وتصويتا ودعاية إنتخابية مما أدى بالرئاسة الفلسطينية في 29 نيسان 2021 ، إلى إلغاء الإنتخابات البرلمانية الفلسطينية التي كانت مقررة في 22 أيار 2021 م.

على العموم،. لم يستطع النظام السياسي الفلسطيني من التطور التاريخي والسياسي بسلطاته الثلاث : التنفيذية والتشريعية والقضائية، من ( الحكم الذاتي ) إلى دولة فلسطين المستقلة رغم إمتلاك مقومات الدولة العامة المتعارف عليه عالميا بسبب التعنت الصهيوني والخوف من إقامة الدولة الوطنية للشعب الفلسطيني الأصيل في البلاد .

و العدوان الصهيوني الحالي في ربيع 2021 : الحكومي الرسمي والمستوطنين اليهود على القدس ( حي الشيخ جراح وأحياء سلوان ووادي حلوة) وغيرها لتهجير المواطنين الفلسطينيين من بيوتهم وإحلال المستوطنين اليهود مكانهم ، وتدنيس وإقتحام المسجد الأقصى المبارك ( مسيرة الأعلام المزعومة لنحو 30 ألف يهودي) في يوم الاثنين العظيم 10 أيار 2021 م.

فجاء التصدي الشعبي الفلسطيني للدفاع عن المسجد الأقصى المبارك خاصة والقدس الشريف عامة ، وتوجت عملية الدفاع عن القدس والأقصى بدخول صواريخ المقاومة الفلسطينية مساء يوم الاثنين العظيم ( السادسة مساء) ، الموافق 10 أيار 2021 م 28 رمضان 1442 ه، ، بزخة صواريخ ( 7 صواريخ فلسطينية )، على القدس الغربية المحتلة عام 1948 ، ليبدأ العدوان العسكري الصهيوني الجوي المكثف على قطاع غزة في اليوم ذاته.

وتلاحقت الأحداث العسكرية بانهمار مئات الصواريخ الفلسطينية باتجاه المستوطنات اليهودية والمدن الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948، عام الإقتلاع ونكبة فلسطين الكبرى، فوصلت الصواريخ الفلسطينية بالمرحلة الإولى 40 كم، ثم لمدى 80 كم، ثم لمدى 250 كم .. ودخلت الجماهير الفلسطينية على ساحة الدفاع عن النفس في جميع محافظات فلسطين الكبرى، من شمالها لحنوبها، ومن شرقها لغربها، وتستمر المواجهة العسكرية الفلسطينية – الصهيونية حتى كتابة هذه المقالة ( ظهر السبت 15 / 5 /2021 ) . وقهرت الآلة العسكرية الصهيونية والجيش الصهيوني باضطرار حوالي 5 ملايين يهودي للإختباء والمبيت في الملاجئ والانفاق الأرضية وعبارات المجاري العامة وشبكات الصرف الصحي ، وتعطيل الحياة العامة الإقتصادية والمطارات والإجتماعية والتعليمية وامتلاء المستشفيات اليهودية بالجرحى والقتلى اليهود.

وظهرت بشائر النصر والتمكين الفلسطينية بشكل واضح وجلي، بوصول زخات كثيرة وضخمة من الصواريخ الفلسطينية إلى تل أبيب الكبرى في المركز أو الوسط، التي تأوي أكثر من 55 % من المستوطنين اليهود بالكيان الصهيوني بما يزيد عن 3 ملايين يهودي ، باعتبارها العاصمة الإدارية والسياسية والعسكرية والإقتصادية والثقافية والإعلامية للجاليات اليهودية بفلسطين الكبرى. كما وصلت الصواريخ الفلسطينية إلى النقب جنوبا ( المجدل وبئر السبع) وديمونا ومستوطنات غلاف قطاع غزة وإلى الساحل شمالا ( يافا وحيفا وعكا واللد ونهاريا وهرتسيليا) وغيرها.

وقد تبنت الأجنحة العسكرية الفلسطينية عمليات إطلاق نيران الصواريخ الفلسطينية بشكل كثيف كل من : كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس، وسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بفلسطين وبدرجة أقل، غيرها من الكتائب الأخرى التابعة لحركة فتح ( كتائب شهدءا الأقصى ) والجبهتين الشعبية والديموقراطية وسواها ضمن ما يعرف بالغرفة العسكرية المشتركة.

وكذلك تجمع آلاف اللاجئين الفلسطينيين والعرب من الجهة الشرقية لفلسطين، على الحدود الفلسطينية – الأردنية، ومن الجهة الشمالية على الحدود الفلسطينية – اللبنانية لنصرة الأقصى المبارك وإنتظارا لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ومواطنهم الأصلية.

على أي حال، إن إجمالي عدد المواطنين الفلسطينيين في فلسطين الكبرى 6,9 مليون مواطن : 1,9 مليون فلسطيني في الداخل ( الجليل والمثلث والنقب والساحل كان عددهم عام 1948 نحو 160 ألف نسمة )، و2 مليون في قطاع غزة. و3 ملايين في الضفة الغربية، بيما يبلغ إجمالي عدد المستوطنين اليهود قرابة 6,25 مليون يهودي ( منهم 750 ألف فرد) بالمستوطنات اليهودية بالضفة الغربية المحتلة ، وبالتالي يتفوق عدد المواطنين الفلسطينيين على عدد اليهود، وهذا ما تسميه الدوائر الصهيونية بالقنبلة السكانية (الديموغرافية) العربية . وذلك بالرغم من السياسة الصهيونية الطاردة للفلسطينيين، والبيئة الجاذبة لليهود، وفقا لسياستي الترغيب والترهيب ضد العرب الفلسطينيين والمحاولات الصهيونية المستميتة لتغيير المعالم الجغرافية والتاريخية والحضارية العامة ، بالإتجاهات الأربع : ( التهويد والصهينة والأسرلة والعبرنة ) لإلغاء الفلسطنة ( الوطنية الفلسطينية ) ، الجذرية، فالصمود الشعبي الفلسطيني لا يزال مرابطا وصابرا رغم الضرر والننكيل الكبير والأذى والعذاب الشديدين والقمع المستفحل والملاحقة المستمرة المتعددة الأشكال والصور.

وبناء عليه، يمكننا القول، بأن أولى مراحل بشائر النصر الفلسطيني العربي المسلم قد بدأت تلوح في الأفق القريب إن شاء الله تبارك وتعالى . وإن غدا لناظره قريب .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم .

تحريرا في يوم السبت 3 شوال 1442 هـ / 15 أيار 2021 م .

 

د. كمال إبراهيم علاونه أستاذ العلوم السياسية والإعلام

أضف تعليق