حماس بين القائمتين السوداء والبيضاء براية خضراء … قرار رفع حركة حماس عن ( قائمة الإرهاب ) الأوروبية ( د. كمال إبراهيم علاونه )


ابو عبيدة الناطق الرسمي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام

حماس بين القائمتين السوداء والبيضاء براية خضراء … قرار رفع حركة حماس عن ( قائمة الإرهاب ) الأوروبية

 د. كمال إبراهيم علاونه

أستاذ العلوم السياسية والإعلام

رئيس مجلس إدارة وتحرير شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )

نابلس – فلسطين

 إستهلال

 حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) هي حركة تحرر وطني فلسطينية ذات ايديولوجية إسلامية مقاتلة ، وهي حركة جماهيرية ذات تنظيم قوي ، تمارس الانتخابات الداخلية المنتظمة بالاقتراع السري في الداخل والخارج ، وفق مبدأ الشورى الإسلامي ، وشعبيتها في تزايد متواصل عاما بعد آخر ، منذ نشأتها في 14 كانون الاول 1987 ، إذ تهدف إلى تخليص الشعب الفلسطيني من الاحتلال الأجنبي الصهيوني ونقل الشعب الفلسطيني من حالة الاحتلال الى حالة الحرية والكرامة الانسانية والاستقلال . وقد نشأت قبل 27 عاما ، في مطلع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى ( انتفاضة الحجارة ) ، وهي تيار إسلامي قوي في فلسطين انبثقت عن جماعة الاخوان المسلمين ، لتتصدر المقاومة في الأرض المقدسة لاحقا كما هو الحال الآن . وبالتالي ولدت هذه الحركة الإسلامية ولادة قوية لها أطرها وأجنحتها : العسكرية ( كتائب الشهيد عز الدين القسام ) ، والبرلمانية ( قائمة التغيير والإصلاح ) ، والشبابية ( الشباب المسلم ) والجامعية بشقيها الطلابي والنقابي : ( الكتلة الطلابية الإسلامية ، والإتجاه الإسلامي للعاملين بالجامعات ) والنسوية ( المرأة المسلمة ) والعمالية ( النقابة الإسلامية ) والإعلامية ( قناة الأقصى الفضائية وإذاعة الأقصى ، وقناة القدس الفضائية ، والمواقع الالكترونية كالمركز الفلسطيني للإعلام ، وشهاب ، وفلسطين الآن ) ، والمهنية ( الكتلة المهنية حسب المهنة – الصحافة والطب والهندسة والزراعة والتجارة .. إلخ ) وسواها .

 حركة حماس بين القائمتين : السوداء والبيضاء

 لا ريب ان قرار الاتحاد الأوروبي إدراج حركة حماس ( بالراية ذات اللونين الأخضر والأبيض ) على القائمة السوداء أو ما يطلق عليه غربيا ( قائمة الارهاب ) ، هو قرار خاطئ ، ابتعد عن الصواب كثيرا ، وقد جاء هذا القرار ارضاء للإدارة الصهيونية في تل ابيب ، ومماثلة للقرار الامريكي الظالم ، الذي ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ، وحق الدفاع الشرعي عن النفس والمقاومة بكافة اشكالها لإزالة هذا الاحتلال الأجنبي لفلسطين . فجاء صراع الألوان لينتصر اللون الأخضر على اللون الأسود الأوروبي فيمحقه محقا في قرار غير مسبوق .

 وحركة حماس ، هي حركة وطنية إسلامية ، وليست حركة إرهابية بتاتا ، تمثل قطاعا كبيرا من الشعب الفلسطيني في أرض الآباء والأجداد ، وهي حركة منتخبة رسميا وشعبيا في الانتخابات التشريعية الثانية في كانون الثاني 2006 ، وحازت على 74 مقعدا في المجلس التشريعي الفلسطيني من أصل 132 مقعدا ، وبذلك حصلت على الغالبية العظمى من المقاعد النيابية ، وقد شكلت حركة حماس الحكومة الفلسطينية العاشرة في ربيع عام 2006 ، وسط مقاطعة اوروبية ودولية . كما أنها تصدرت بفعالية كبيرة انتفاضة فلسطين الكبرى الثانية ( انتفاضة الأقصى ) ما بين 2000 – 2006 ، حيث وضعت ضمن قائمة الإرهاب في انتفاضة الأقصى المجيدة ( الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية ) في حالة الدفاع الفلسطيني الشرعي عن النفس ، ومواجهة الإرهاب الصهيوني وحليفه الأمريكي والأوروبي ، وقدمت حركة حماس قافلة من الشهداء والأسرى والجرحى ، في مسيرة التحرر والتحرير الوطني . ومارست حركة حماس وفقا للقوانين والاعراف والمواثيق الدولية المقاومة الشرعية دفاعا عن نفسها وشعبها وأمتها ، في الخندق الأول في صفوف الشعب الفلسطيني واستشهد مؤسسها الشيخ أحمد ياسين وعشرات القادة من أجنحتها السياسية والعسكرية والطلابية والاعلامية خلال المرحلة الفائتة . ومن يدافع عن نفسه وأهله وشعبه لن يكون إرهابيا بل يتوق للحرية والكرامة والانعتاق الوطني .

 هل جاء التراجع القضائي الأوروبي ( بغلاف سياسي ) متأخرا ؟

 لقد جاء القرار الأوروبي برفع حركة حماس عن القائمة السوداء ( قائمة الارهاب ) بعد 11 عاما من العقاب السياسي والعسكري والاقتصادي ، ما بين 2003 – 2014 ، بفعل الدور السياسي والعسكري والاعلامي والانساني القوي للحركة وتصدرها طليعة المقاومة المسلحة ، واستحالة تجاوزها سياسيا وعدم تمكن جيش الاحتلال الصهيوني من القضاء عليها في قطاع غزة ، خلال الحروب العدوانية الصهيونية الثلاث التي شنت ضدها في الأعوام 2008 / 2009 ( معركة الفرقان في مواجهة عدوان الرصاص المصبوب ) ، و2012 ( معركة حجارة السجيل في مواجهة حرب عامود السحاب ) ، و2014 ( معركة العصف المأكول في مواجهة وحشية الجرف الصامد المنهار ) . وكذلك جاء الاعتراف بها كحركة إسلامية سياسية غير متطرفة ، في ظل تصاعد حركات إسلامية أخرى في المشرق العربي وخاصة الدولة الاسلامية في العراق وسوريا . بالإضافة إلى ضعف السلطة الفلسطينية في الوضع الحالي ، وتمهيدا أوروبيا للتعامل مع حركة حماس كجزء من النسيج الوطني الفلسطيني العام ، اعترافا بالذنب الأوروبي بل بالذنوب الأوروبية ضد الشعب العربي الفلسطيني ، والشعوب العربية قاطبة ، وتكفيرا عن الظلم الأوروبي ضد الشعب الفلسطيني عامة وضد حركة حماس خاصة . لقد استيقظ الذئب الامبراطوري الأوروبي أمام المارد الإسلامي المتعاظم في المنطقة وفي العالم ، لتظهر بارقة أمل من العدل والعدالة الجزئية المؤقتة في الميادين : الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تجاه شعب فلسطين .

 ما مدى الاعتراف الأوروبي بشرعية المقاومة الفلسطينية ؟

 هذا الاعتراف الأوروبي الجديد ، وإن اتخذ بصورة قرار قضائي وليس سياسيا من المحكمة الأوروبية ، بالتراجع عن قرار سياسي أوروبي ظالم سابق بإدارج حركة حماس ضمن المنظمات ( الإرهابية ) ، يمهد للاعتراف سياسيا على نطاق واسع ، بدور حركة حماس في المشاركة في قيادة الشعب الفلسطيني في الحكومة الفلسطينية والبرلمان الفلسطيني ، برؤية محلية وإقليمية وعالمية جديدة ، وانسجاما مع تزايد الضغوط الشعبية والحزبية والاعلامية الأوروبية لحل القضية الفلسطينية ، بشكل جزئي للوصول الى دولة فلسطينية على جزء من فلسطين فيما يعرف بالضفة الغربية وقطاع غزة . وكتحصيل حاصل ، يشكل هذا القرار الأوروبي الجديد ، اعترافا بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال ، وخاصة أن هذه الحركة تحمل اسم المقاومة ( حركة المقاومة الإسلامية ) ، وهي حركة مقاومة للاحتلال في فلسطين ، ولم تنفذ عمليات عسكرية ضد أهداف عسكرية أو سياسية أو اقتصادية يهودية خارج فلسطين ولم تمس بالمصالح السياسية والاقتصادية الاوروبية .

ولا ننسى أن الأوضاع الإقليمية المتغيرة ، والابتعاد الحمساوي عن النظام السوري والنظام الإيراني والاقتراب كثيرا من محور قطر وتركيا ، وتمسك أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بسياسة حركة حماس المستندة للمقاومة ، في ظل الدمار والتخريب العسكري الصهيوني ، والأوضاع الحياتية المأساوية التي يعيشها المواطنون الفلسطينيون في القطاع ، ساهمت في إقناع الأوروبيين بضرورة تغيير موقفها من حركة حماس وأن الحركة تتمتع بثقة كبيرة في صفوف الشعب الفلسطيني .

 هل هناك حوارا بين حركة حماس والإتحاد الأوروبي مستقبلا ؟ وكيف ؟

 سيعمل هذا القرار الأوروبي الجديد ، وإن كان غير ملزم ، كونه قرارا يتخذ صفة التوصية القضائية والسياسية ، على فتح أبواب الحوار السياسي الأولي وربما المتقدم مستقبلا ، حول شتى المسائل السياسية الفلسطينية بين حركة حماس من جهة والحكومات الأوروبية والأحزاب السياسية الأوروبية ، والبداية ستكون صعبة ، ولكن العلاقات والحوارات ستتطور لاحقا ، ويمكن أن تستضيف بعض الدول الأوروبية مكاتب إعلامية لحركة حماس أو تستضيف قيادات فاعلة من الصف الأول أو الثاني في الحركة في عواصمها ليلا ونهارا ، سرا وعلنا . وربما يهدف هذا القرار الأوروبي من وراء الكواليس ، الى السعي لاحتواء حركة حماس واستقطابها بعيدا عن المحور الإيراني في المنطقة العربية وابعادها عن تأييد حركات إسلامية مقاتلة في الوطن العربي أو الوطن الاسلامي أو العالم ، وإنقاذ تل أبيب من العزلة الأوروبية والعالمية كطوق نجاة جراء حملات الاستيطان اليهودي المحمومة في الضفة الغربية المحتلة .

 ما هي الآثار والتبعات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية للاعتراف الأوروبي بحركة حماس ؟

 سيعمل هذا القرار الأوروبي ، على تقوية حركة حماس داخليا وخارجيا ، ويرفع الحظر المالي والسياسي والدبلوماسي المفروض عليها ، وبالتالي سيساهم في رفع الحصار السياسي والاقتصادي على ابناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة . وربما تكون هناك اتفاقات ثنائية أو محورية تمت عبر وساطات تركية وقطرية ، أو سيتبع ذلك لاحقا ، لتأخذ حركة حماس الدور المناط فيها كحركة طليعية في الشعب الفلسطيني .

على العموم ، يعتبر التراجع الأوروبي عن إدراج حركة حماس ضمن القائمة الأوروبية السوداء سابقا ، نجاحا جديدا لحركة حماس قلبا وقالبا ، ويتمثل ذلك على الأصعدة السياسية والإعلامية والعسكرية ، واستحالة استثناءها من الخريطة السياسية الفلسطينية والاقليمية ، فلم تضعف او تتراخى حركة حماس حتى في أحلك الظروف التي حوصرت فيها في قطاع غزة منذ 2006 حتى الآن ، ولوحقت في الضفة الغربية المحتلة بالاعتقالات والتخريب ومصادرة الاموال واقصائها عن الجمعيات الخيرية التي أسستها سابقا .

 ماذا تستفيد حركة حماس من قرار المحكمة الأوروبية الجديد ؟

 من المفترض وربما تتمكن حركة حماس من استثمار هذا القرار الأوروبي المتراجع لصالح الشعب الفلسطيني وصالح الحركة ، في شتى المجالات والميادين السياسية والاقتصادية والاعلامية ، مما يعود بالفائدة على الشعب الفلسطيني ، فمثلا يمكن أن يمثل هذا القرار بداية للتراجع الأمريكي وأيضا ربما يتبعه التراجع الصهيوني في تخفيف ملاحقة حركة حماس اجتماعيا وماليا وخاصة الجمعيات الخيرية والانسانية والمدارس ورياض الاطفال ووسائل الاعلام وغيرها ، التابعة لها التي تقدم الخدمات الانسانية والطبية للمنكوبين مثل اليتامى والأرامل والمعوزين ، والسماح بالتدفق المالي كتبرعات عينية ومالية للمحتاجين الذين تشرف حركة حماس على رعايتهم والاهتمام بهم . ويعتبر هذا القرار ايضا رسالة للحكومة الفلسطينية ، ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية بالقبول الاوروبي لحركة حماس في مؤسساتها وفعالياتها المتنوعة .

 برأينا ، إذا استثمرت حركة حماس هذا القرار الأوروبي ، ستستفيد الحركة سياسيا واعلاميا ، على المستويات العربية والاوروبية ، وسيحرج هذا القرار الكثير من الدول العربية التي تقاطع حركة حماس وتلاحق قياداتها وعناصرها ، مثل مصر وغيرها ، وستتوقف الملاحقة المالية الأوروبية لمنابع حركة حماس المالية الآتية من مناصريها ومؤيديها في قارة أوروبا ، وسيتم استقبال قيادات عليا في الحركة في مختلف العواصم الأوروبية ، بشكل تدريجي ، مع ما يجلبه ذلك من مواصلة الحركة في التقدم السياسي على الصعيد الأوروبي والقاري ، وكما يقول المثل الشعبي الفلسطيني ( في الحركة بركة ) .

وعلى الصعيد ذاته ، سيعمل هذا القرار الأوروبي على تعزيز مواقف حركة حماس على الصعيد الفلسطيني ، شعبيا ورسميا وفصائليا ، وسيكون خطوة داعمة للمصالحة الوطنية الفلسطينية وتقبل أوروبي وبالتالي دولي في مشاركة حركة حماس في الحكومة الفلسطينية ، بمفردها في حالة فوزها في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية الثالثة المقبلة ، أو المشاركة في حكومة وحدة وطنية تشمل مختلف أطياف الفصائل والحركات والأحزاب الفلسطينية . وعلى الجانب الآخر ، ستتراجع مكانة فصائل وحركات وأحزاب وطنية فلسطينية على الساحة الداخلية جراء رفع الحظر السياسي والمالي عن حركة حماس .

 والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم .

 يوم الخميس 26 صفر 1436 هـ / 18 كانون الأول 2014 م .

أضف تعليق