الْإِصْلَاحُ العام بين الناس د. كمال علاونه


 

كتبهاد. كمال إبراهيم محمد شحادة ، في 25 شباط 2008 الساعة: 10:17 ص

الْإِصْلَاحُ العام بين الناس

د. كمال علاونه

فلسطين العربية المسلمة

 الإِصلاحُ هو قول ونشر الخير العام بين طرفين ، لتنقية الأجواء وتصفية الضغائن بينهما ومنع أو وقف الإقتتال والخصومة . ويعني الإِصلاحُ : الإِثَابَةُ والتَّقْوِيْمُ والمُوَاسَاةُ . والرَّسْوُ: الإصْلَاحُ بَيْنَ القَوْم [1] . ويعني الإصلاح العام ، إصلاح ذات البين ، وهو تحسين العلاقات الطيبة بين الناس عامة ، وبين المتنازعين خاصة ، فهذا في صلب العلاقات بين الأفراد والجماعات والشعوب المسلمة في نطاق الأمة الإسلامية . والإفساد هو نقيض الإصلاح . قال الله تبارك وتعالى : { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا . وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [2] . وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ . وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ . فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [3] . وقال الله الحليم الرشيد : {  قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ . قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [4] . وقال تعالى في سورة أخرى : { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا . وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } [5] . وقال الله تعالى : { وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ } [6] . وهناك إصلاح لليتامى أيضا بالحسنى . قال الله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ . فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [7] . وقال تعالى : { وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ . وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّ
َاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [8] .

     وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ” [9] . وقيل مَا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَذِبِ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ” لَا أَعُدُّهُ كَاذِبًا الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ ، يَقُولُ الْقَوْلَ وَلَا يُرِيدُ بِهِ إِلَّا الْإِصْلَاحَ ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ فِي الْحَرْبِ ، وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا “ [10] . وفي رواية أخرى ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ : يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا ، وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ ” [11] . وعَنْ أَبِي كَاهِلٍ ، قَالَ : ” وَقَعَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلامٌ حَتَّى تَضَارَبَا فَلَقِيتُ أَحَدَهُمَا ، فَقُلْتُ : مَالَكَ وَلِفُلانٍ ، قَدْ سَمِعْتُهُ وَهُوَ يُحْسِنُ عَلَيْكَ الثَّنَاءَ ، وَيَكْثُرُ لَكَ مِنَ الدُّعَاءِ ، وَلَقِيتُ الآخَرَ ، فَقُلْتُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ ، فَمَا زِلْتُ أَمْشِي بَيْنَهُمَا حَتَّى اصْطَلَحَا ، فَقُلْتُ : مَا فَعَلْتُ أَهْلَكْتُ نَفْسِي وَأَصْلَحْتُ بَيْنَهُمَا . وَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالأَمْرِ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا سَمِعْتُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ، وَلا مِنْ ذَا شَيْئًا ، فَقَالَ : ” يَا أَبَا كَاهِلٍ ، أَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ وَلَوْ بِكَذَا وَكَذَا” ، كَلِمَةٌ لَمْ أَفْهَمْهَا ، فَقُلْتُ : مَا عَنَى بِهَا ؟ قَالَ : ” عَنَى الْكَذِبَ “ [12] .

 

[1] المحيط في اللغة ، الجزء 2 ، ص 273 ، 286 ، 423 .

[2] القرآن الكريم ، سورة النساء ، الآيات 114 – 115 .

[3] القرآن الكريم ، سورة الحجر  ،  الآيات 7 – 10 .

[4] القرآن الكريم ، سورة هود ، الآيات 87 – 88 .

[5] القرآن الكريم ، سورة النساء ، الآيات 128 – 129 . 

[6] القرآن الكريم ، سورة الأعراف ، الاية 170 .

[7] القرآن الكريم ، سورة البقرة ، الآيات 219 – 220 .

[8] القرآن الكريم ، سورة البقرة ، الآيات 223 – 224 .

[9]  مسند أحمد ، الجزء 56 ، ص 44 . وسنن أبي داود ، الجزء 13 ، ص 78 . واللفظ لأحمد .

[10] سنن أبي داود ، الجزء 13 ، ص 80 .

[11] سنن الترمذي ، الجزء 7 ، ص 186 .

[12] المعجم الكبير للطبراني ، الجزء 13 ، ص 310 .

أضف تعليق