النقوط المالي في الأفراح وإسعاد الآخرين ( د. كمال إبراهيم علاونه )


النقوط المالي في الأفراح وإسعاد الآخرين ( د. كمال إبراهيم علاونه )

نشرت بواسطة: شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) في إستراحة إسراج 2011-06-13 التعليقات على النقوط المالي في الأفراح وإسعاد الآخرين مغلقة 670 زيارة
 
النقوط المالي في الأفراح
 
النقوط المالي في الأفراح
 
د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس – فلسطين العربية المسلمة
 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
يقول اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ : { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) }( القرآن المجيد – البقرة ) .
 
وجاء في صحيح مسلم – (ج 13 / ص 212) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ”
تكثر مناسبات وحفلات الأفراح والليالي الملاح في فصل الصيف بصورة ملفتة للنظر أكثر من فصول السنة الثلاثة الأخرى : الشتاء والربيع والخريف . ففي فصل الصيف ، تعقد سنويا المهرجانات والاحتفالات المجيدة لمناسبات سعيدة مثل حفلات الزواج ، وتخريج طلبة الجامعات وإجتياز نسبة كبيرة لمرحلة الثانوية العامة ، وغيرها من المناسبات السارة على الكثير من ابناء الأمتين العربية والإسلامية .
وفي ظاهرة شعبية إيجابية تراثية وتاريخية وجماعية ومجتمعية ، في المجتمعات العربية والإسلامية ، ملفتة للنظر ، يتبارى الأهل والأقارب والأصدقاء في تقديم بعض المساهمات المالية أو العينية للعروسين أو المتخرجين من الجامعات أو الناجحين في شهادة الثانوية العامة أو للذين أجروا عمليات جراحية صحية ، أو خرجوا من نكبات اجتماعية معينة ، كتبرع مالي أو نقوط مالي أو عيني ، كمساهمة رمزية ولو كانت بسيطة ، في تمكين هذا الشاب أو الفتاة أو هذا المواطن أو تلك المواطنة ، في شق طريقه الوعرة للحياة العملية السعيدة . فترى هذا ينقط أو يتبرع ماليا بمقدار معين من المال ، وترى ذلك يجلب هدية عينية وذاك يجمع بين النقوط النقدي والعيني مع ما يرافق ذلك من لطف ومعاملة طيبة ومباركة وتهنئة تدخل الفرح والسرور على نفوس أصحاب العلاقة .
ومن نافلة القول ، إن النقوط المادي والعيني لحفلة العرس الجماعي تساهم في تقليل نفقة العريس وأهله ، وتقدم مبلغا من المال يدفعه الأقارب والأحباب للعريس ، بعد لبس البدلة ، والاستعداد لبناء أسرة نووية جديدة ، والدخول في شراكة اجتماعية نامية ، وكذلك تقلل هذه التبرعات المادية والعينية ، من السكر والأرز ، وربما الثياب والملابس في دخول الأسرة الصغيرة الجديدة في ديون جديدة غير متوقعة . ومن ناحية أخرى ، تساعد هذه التبرعات المادية في دفع جزء من الأقساط الجامعية ، أو المصروف الشخصي ، لطلبة الثانوية العامة الذين سيعبرون الحياة الأكاديمية الجامعية لأول مرة ، أو توفير بعض قطع الملابس كضرورة من ضروريات الحياة الجامعية والإنطلاق نحو الركب الجامعي .
ويمكننا القول ، إن بعض التبرعات المادية الكريمة السخية ، من المقتدرين ماليا ، تعمل على تمكين الطلبة الناجحين في الثانوية العامة أو المتخرجين الجدد من الجامعات من الإندماج المادي الحياتي والمعيشي في الحياة العملية بعد المرور بالحياة النظرية . وكذلك تساهم التبرعات العينية كهدايا الثلاجات والغسالات والمكيفات وأدوات المطبخ والأثاث المنزلي ، في تعبئة بيت العروسين الذين ارتبطا برباط الزوجية المقدس ، وتقيهم شر الديون الربوية والمرتفعة في هذه الأيام التي تسيطر فيها الرأسمالية على الحياة الإنسانية في غالب الأحيان .
وعلى الجانب الآخر ، فإن هناك من الناس من يحتاج لميزانية صيفية سنوية للإنفاق على النقوط المادي لحفلات الأعراس والتخريج المدرسي والجامعي ، وقد يجاري هذا الموظف الغلبان أو ذاك ، غيره من اصحاب الأموال ، فيذهب لتقديم النقوط المادي أو العيني ولو كان المبلغ الذي سيتبرع به دينا عليه من آخرين وهو قمة العطاء والبذل والتعاون الاجتماعي والتكافل الاجتماعي .
وهناك ثلة من الموظفين أو الذين يعانون من البطالة ، ممن يقوم بتقديم أموال النقوط بصورة عينية ، عبر تقديم تبرعات عينية كأكياس الأرز والسكر والقهوة أو التبرع ببعض الذبائح غيرها ، ويجلبون هذه الأموال من البقالات أو الدكاكين بالدين لتسديدها لاحقا حينما يتوفر معهم المال اللازم ، ولكنهم لا يريدون أن تمر هذه المناسبة على قريبهم أو صديقهم أو ابن صديقهم بلا مساهمة مالية معينة .
فجزى الله هذه الفئة الاجتماعية المتبرعة بمالها لغيرها في سبيل إدخال بعض السعادة والفرح على هذه الأسرة أو تلك خير الجزاء . ورب قائل يقول ، إن أموال النقوط النقدي أو العيني هي دين مستقبلي غير منظور على الشخص أو الأسرة التي تم تقديم هذا النقوط لها ، لا بد من تسديده لاحقا . وهذا فيه نوع من الصحة ، ولكن من باب أولى أن كل من ينقط أو يتبرع بجزء من المال فإنه لا ينتظر أن يعاد له بعضه أو كله أو أكثر منه في مناسبة سعيدة لديه أو لدى أبنائه أو بناته ، فالإنفاق على النقوط برأينا هو نوع من أنواع الإنفاق في سبيل الله لتفريج هموم وكروب بعض الفقراء والمحتاجين ، ويساهم في رفع معنوياتهم جراء المعاناة المالية والفقر المدقع أو إختفاء السيولة المالية في فترة من الفترات عليهم .
وتساهم هذه الأموال العاجلة المدفوعة للمتخرجين أو المتزوجين عن طيب خاطر ورضى نفسي ، في رفع بعض الآثقال المادية والنفسية والاجتماعية عن كاهل الفرد والأسرة ، وتعمق الروابط الاجتماعية والاقتصادية بين أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة .وتجعل الإنسان يرضى عن تصرفاته وسلوكياته الطيبة تجاه الآخرين ، ونيل ثواب الله الجزيل ، والرزق الوفير من الله الرزاق ذو القوة المتين .
وأخيرا ، نقول طوبى للذين يفرجون هموم وغموم إخوانهم وأقاربهم واصدقائهم ، ولو بالمال اليسير ، فاالمال الموهوب للغير هو كرم ونخوة مالية تستحق الثناء والتقدير ، والتكريم من الله الغني المغني ذو الجلال والإكرام ، فيعوضه ويضاعفه الله أضعافا مضاعفة من حيث لا يحستب الإنسان ، ثم من الناس الطيبين .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

1 comments

أضف تعليق